بيان مثقفي العراق حول قرار مجلس الشيوخ الامريكي بشأن مؤامرة

تواصلا مع التخبط الامريكي في العراق ، والفشل الذريع الذي منيت به سياسات الاحتلال بهدف تركيع العراقيين وفرض حالة الامر الواقع عليهم ، وفي اطار البحث عن سبل لانقاذ ماء الوجه خرج علينا مجلس الشيوخ الامريكي بقرار يدعو فيه الى تقسيم العراق على اساس طائفي وعرقي، مع الابقاء على حكومة مركزية ضعيفة.. وهذا القرار في حقيقته قد اخرج من بين الملفات القديمة للصهاينة في امريكا والغرب، ملف التقسيم الذي اعدت خرائطه قبل اربعة عقود من الزمن.. وكان يلوح به في وجه العراق كلما اختار هذا البلد سياساته الحرة المعبرة عن مصالحه العليا، ووقف بعناد بوجه المشروع الصهيوني التوسعي في المنطقة، ورفض هيمنة شركات النفط الاحتكارية..
تقسيم العراق خطة غربية – امريكية، دعت اليها اسرائيل عبر المنظمات الصهيونية منذ اواخر الخمسينيات وتحديدا بعد ثورة الرابع عشر من تموز/1958 هدفه اخراج العراق من دائرة الصراع العربي الصهيوني، فقد شكل العراق قلقا طبيعيا للصهاينة بعد ان اتضح ان العقيدة العسكرية العراقية مبنية على ان العدو الاول للعراق هو الكيان الصهيوني...وكان التقسيم فكرة وخارطة حاضرة دائما في العقل الامريكي المتصهين ولدى مراكز الدراسات والابحاث التي تدور في فلكه، ويمكن القول دون تردد ان الهدف الرئيسي من غزو العراق واحتلاله هو تقسيم البلد وتفتييت مجتمعه وتحويله الى دويلات لامراء الحرب العشائريين والطائفيين..وان امريكا انساقت في غزوها للعراق وراء رغبات اللوبي اليهودي فالغزو لم يعبر عن مصلحة امريكية حقيقية بقدر ما عبر عن رغبة ومصلحة صهيونية.
ورغم ان قرار مجلس الشيوخ غير ملزم، الا ان مناقشته وفضحه امر ضروري لان معظم القرارات والمشاريع الجائرة التي نفذت على الضد من مصالح الشعوب تبدا هكذا.
المشرعون الامريكيون يجهلون جغرافية العراق، ونسيجه الاجتماعي، ويجهلون اكثر تاريخ هذا البلد، ونشك انهم يعرفون ان حضارة وادي الرافدين هي اقدم حضارة انسانية، وان ابناء هذا الوادي هم من علموا الانسان الكتابة ونشك ان هؤلاء المشرعين درسوا تاريخ بغداد عندما كانت مركزا للاشعاع الثقافي والعلمي ومنارة الدنيا وقبلة العلماء والادباء والمؤرخين والفقهاء ايام الدولة العربية – الاسلامية العباسية.
ويجهل ان المجتمع العراقي نسيج واحد من المحال تفتيته وان سائر المحاولات التي جرت خلال قرون من الحكم الاستعماري العثماني والفارسي وبعدهما الانكليزي بهدف اللعب على تنوعه المذهبي او العرقي باءت بالفشل وخرج المستعمرون خاليي الوفاض، وظل العراق واحدا وظل شعبه امينا على عروبته.. ونجزم ان الامريكيين الساعين خلف هذا المشروع الذين احبطوا وضاقوا ذرعا بتورط قواتهم في العراق وفشلها وتكبدها الخسائر الجسيمة على ايدي مقاومته الباسلة، لم يتأملوا جيدا خارطته، يابسته، انهاره، موارده، تجمعاته السكانية، واصولها، لانهم لو درسوا هذا، وكان عليهم ان يفعلوا ذلك قبل الغزو، لتوصلوا الى نتيجة مؤداها ان الغزو ليس خيارا صائبا مثلما ان التقسيم فكرة بائسة تصلح لان تظل في نطاق المؤامرة و العبث ليس الا..
ولذلك فنحن نقول للامريكيين ان يذهبوا الى الحل الاسهل الذي يحفظ لهم ماء الوجه، حل الانسحاب الكامل، والتوصل مع قوى المقاومة والمعارضة الوطنية الى برنامج لحل سياسي جذري بديل للعملية السياسية الجارية والتي انتجت كل هذه المآسي.. لان التقسيم، هذه المؤامرة القديمة_ الجديدة ، مستحيل. وان شعبنا يرفضه ويدين البعض ممن مهد لمثل هذه المشاريع، اما الاصوات التي تسرع اصحابها في كردستان العراق للترحيب به، فأنها لا تعبرعن مصالح شعبنا الكردي، بل عن مصالح اصحابها الفئوية الذاتية فضلا عن رد "الجميل " لمن حرض على غزو العراق واحتلاله...
ان مثقفي العراق يقفون بقوة وصلابة ضد هذا القرار ويدعون قوى شعبنا وهيئاته وشخصياته الى الوحدة في اطار وطني قادر على وأد هذه المؤامرة وانقاذ العراق من حالة التدهور الكارثي الذي يعانيه. كما ويدعون ابناء العروبة في كل مكان الى الحذر من ان المشروع سيمتد الى باقي اقطار الوطن العربي..